رحيل هشام جعيط (1935-2021): مؤسس دراسات الإسلام المبكر في الفضاء المغاربي
توفي المؤرخ والمفكر التونسي هشام جعيط في اليوم الأول من يونيو 2021 عن سن تناهز السادسة والثمانين، وهو ينحدر من أسرة من أعيان تونس اشتهرت بفقهائها وقضاتها. درس بالمدرسة الصادقية في تونس. ثم انتقل إلى فرنسا لإكمال دراساته العليا في التاريخ الإسلامي، حيث نال الدكتوراه سنة 1981. جمع بين تكوينه المتين في الثقافة العربية والتاريخ الإسلامي وبين مكتسبات العلوم الإنسانية الحديثة خصوصا التاريخ المقارن والأنثربولوجيا والفلسفة وعلم النفس والأديان المقارنة. وقد انعكس هذا المزج المعرفي خصوبةً فكرية في مجمل أعماله التاريخية والفكرية، فقد وظف جعيط الأنثربولوجيا التاريخية لفهم تشكل الإسلام النبوي، وجدليات الدين والسياسة في الإسلام المبكر، وديناميات تشكل المدينة في الفضاء العربي الإسلامي. واستعان بمفهوم الشخصية القاعدية لتحليل التاريخ التونسي، كما "استهوته" المقارنات في تحليل الديناميات التاريخية التي عرفتها حضارات العالم من دينامية التوسع الإمبراطوري في العصور الوسطى إلى ديناميات زمن الحداثة والدول القومية البازغة في أوروبا والصين والهند والعالم الإسلامي (العرب، إيران، تركيا)، دون أن يتردد في الاشتباك الفكري المنتج مع رواد مدرسة التاريخ العالمي (فرناند بروديل، مارشال هودجسون، إيمانويل فالرشتاين ...).
درَّس هشام جعيط في جامعات تونسية وفرنسية وأمريكية، كما نشر مقالات وكتبا في التاريخ والحضارة باللغتين العربية والفرنسية، آخرها "Penser l'histoire, penser la religion" (2021). وبهذا الإنتاج البيداغوجي الخصب وضع لبنات مدرسة تاريخية متميزة في تاريخيات الإسلام عموما والإسلام المبكر خصوصا من منظور التاريخ العالمي.
